ونحن هنا عندما ننظر إلى مسألة الأمن القومي، فإنما نعني به الأمن القومي العربي، كمسألة يندرج تحت سقفها أمن كل الأقطار العربية بمعنى أن ما يتهدد بعضها يتهدد بعضها الآخر، وإذا اختل أمن قطر منها فإنما يؤثر بشكل سلبي على أمن الأقطار العربية الأخرى. فبمثل هذا الحال نعتبر أن الأمن القومي العربي يشمل أمن كل الأقطار العربية، وهذا يربط بين نظرتنا إلى ضرورة الوحدة العربية وواقع الهجمة الخارجية التي تستهدف الهيمنة على الوطن الغربي بكامله.

ولذلك نعتبر أن أي مشروع تدخل خارجي لا يستهدف قطراً عربياً بمفرده بل يستهدف الوطن العربي برمته من دون تمييز بين قطر وآخر إلاَّ بمقدار بعده أو قربه من العلاقة مع هذه الدولة أو تلك على المستويين الدولي والإقليمي. وهذا يشمل اعتبار كل الدول المحيطة بهذا الوطن أنها دول إقليمية مجاورة جغرافياً له، وما ينطبق من أحكام على تدخل الدول البعيدة جغرافياً عن الوطن العربي، ينطبق أيضاً على دول الإقليم، بل تكون أشد وأقسى لأنهم من الجيران، والجيرة يجب أن تكون حسنة.

الفراغ العربي في حماية الأمن القومي كان مدخلاً لإملائه من الأنظمة الإقليمية والدولية:

لم يحصل الفراغ في الأمن القومي العربي تلقائياً، وإنما كان مخططاً له منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وقد تمَّ تنفيذه على مراحل، ابتدأت منذ عدوان حزيران من العام 1967، مروراً باتفاقية كامب ديفيد بعد حرب أكتوبر من العام 1973، شاملاً العدوان الصهيوني على لبنان في العام 1982، وإنجاز اتفاق أوسلو، في العام 1992، على إيقاع العدوان الثلاثيني على العراق في العام 1991، واكتمل تنفيذه باحتلال العراق في العام 2003. فكان احتلال العراق مؤشراً لإتمام مؤامرة إحداث الفراغ في الأمن القومي العربي، وبه شُرِّعت الأبواب، كما أثبتت الوقائع، أمام كل من سيملأونه من أنظمة دولية وإقليمية.

الدفاع عن الأمن القومي العربي مهمة عربية شمولية يشارك فيها العرب أنظمة وشعباً:

يزعم البعض أنه لكي تعرف هوية ثورة ما، عليك أن تعرف هوية القائمين بها. وإذا كان هذا يصح على الثورات الداخلية الهادفة إلى إصلاح نظام ديكتاتوري وطبقي تقوده طبقات رأسمالية، بحيث أنه لن تثور الطبقة الرأسمالية الحاكمة ضد نفسها، وإذا فعلتها فإن نتائج الثورة لن تصب في مصلحة الطبقات الشعبية. وعلى هذا الأساس، ولكي تعطي الثورة ضد نظام تقوده طبقة رأسمالية نتائج تصب في مصلحة الطبقات الشعبية، فلا بُدَّ من أن تقودها الطبقة الشعبية ذاتها.

ولكن إذا كانت أهداف الثورة أو أي حراك آخر يتناول حماية الأمن القومي من عدوان خارجي فعلى كل الطبقات أن تشارك بتلك المهمة لأن تهديد الأمن القومي سيكون تهديداً لكل طبقات المجتمع. وهذا ما ينطبق على الأمن القومي العربي، إذ من أجل حمايته أو إنقاذه من أخطار تتهدده كما هو حاصل في هذه المرحلة، فمن واجب كل الأنظمة الرسمية مهما كانت تصنيفاتها أن تشكل كتلة واحدة من أجل القيام بهذه المهمة كواجب لا يحتمل الاجتهاد.

دول الخليج تستفيق من غفوتها بعد أن تأكدت أن أمنها القومي أصبح مستباحاً:

بعد احتلال العراق، وبعد هزيمة الاحتلال الأميركي منه، وتسليمه للذئب الإيراني بطواعية أميركية مقصودة، انكشف الأمن الخليجي أمام أطماع الإمبراطورية الفارسية، واهتزت أبوابها أمام جحافل الغزو الإيراني، خاصة بعد أن سيطر الإيرانيون على اليمن عبر حصان طروادة الحوثي. فأصبحت دول الخليج في مرمى النيران الإيرانية من الجنوب فاكتمل طوقها القادم من الشمال في العراق. فأين المفر؟

وهل تنتظر تلك الدول أكثر من هذا التهديد لتستفيق؟

صحوة وإن كانت متأخرة، فهي خير من غفوة دائمة:

لقد رهن الكثيرون مواقفهم السلبية من عدم جدية دول الخليج في استكمال خططها لمواجهة الخطر الداهم. ورهن الكثيرون مواقفهم على التخويف والتخوين من تأييد ما أسموه بـ(دول النفط). ورهن الكثيرون مواقفهم على تأييد التدخل الإيراني في الشأن العربي باعتباره تدخلاً صديقاً. ولكن…

نعتقد أن التحالفات التي تمت تحت اسم (عاصفة الحزم) من أجل إيقاف انحدار اليمن باتجاه الحضن الإيراني، وكذلك التحالف الإسلامي تحت اسم (محاربة الإرهاب) ليس فقط كما تحصره إيران بما تسميه (الإرهاب التكفيري)، بل لمحاربة الإرهاب بشكل شامل، بمعنى أن كل من يدعو إلى قيام نظام إسلامي عابر للحدود هو تكفيري من دون شك. وغير ذلك، فليفسر لنا، من يروجون لشهادة حسن سلوك يعلقونها على صدر النظام الإيراني، ما هو مضمون نظرية (ولاية الفقيه)؟ وما هي أهداف نظرية (تصدير الثورة)؟ وهل ما يفعله النظام الإيراني في العراق، من قتل وتهجير وتهديم للحجر واقتلاع للشجر وحماية الفاسدين واللصوص، ليس إرهاباً؟

الخطوة الناقصة تؤدي لفشل لاحق:

إن رأس أفعى الإرهاب الإيراني يقبع في العراق، ومن العراق تمددت الأفعى، على وقع أنغام البوق الأميركي، ولن تعود إلى قفصها إذا لم تقطع رأسها أولاً. وسوف تكون خطوات التحالفات على شتى أشكالها ناقصة إذا لم يكن تحرير العراق في أولوية أهدافها. ولن يكون تحرير العراق ناجزاً إذا لم تُلغ كل آثار العملية السياسية وخاصة منها إجازة قيام أقاليم مبنية على المحاصصات الطائفية. وسيكتمل التحرير إذا قامت عملية سياسية وطنية ترفض قيام أحزاب دينية سياسية، وليس أقدر على إتمام هذا الهدف من الفصائل التي تشكل العمود الفقري للمقاومة الوطنية العراقية.

للأمن القومي العربي أولوية مطلقة وهو خط أحمر:

تعمل الكثير من الأبواق الإعلامية التابعة للنظام الإيراني على تشويه صورة التحالفات الأخيرة على قاعدة التخويف من خداعها، والتخوين من ارتباطاتها، والتحذير من تواطئها، والتقليل من جديتها، والتحريف في أهدافها، وإلى آخر المعزوفة التي ينشدها المكلفون على أنغامها، وكلها تقوم على قاعدة أن إيران شريك بالحرب على الإرهاب التكفيري، ولم يلتفت أي منهم إلى أن مشاركة النظام الإيراني في المشروع الأميركي كان السماح له في أن يمارس الإرهاب التكفيري على طريقته، وتحت غطاء من التمويه على أنه نصير للعرب وجار لهم. وتلك الأبواق التي وظَّفت نفسها للدفاع عنه، فهي في دفاعها وكأنها تجيز للنصير والجار أن يذبح نصيره وجاره، وفي هذا الدفاع ما فيه الكثير من الدجل والكثير من الغفلة.

ويريد آخرون من أمثال هؤلاء أن يستغفلوا عقولنا عندما يزعمون بأن التدخل الإيراني جاء استجابة لطلب مما يسمونه الحكومة العراقية، وهم يتناسون بأن أشخاص هذه الحكومة أنفسهم، عندما كانوا يزعمون أنهم من المعارضة العراقية في الخارج، هم الذين طلبوا من الإدارة الأميركية أن تحتل العراق لإسقاط نظامه الوطني. وتناسوا أيضاً أن تلك الإدارة، المتواطئة مع النظام الإيراني، هم من نصَّبهم في مواقعهم الحكومية بخطوة غير شرعية على الإطلاق ليكي يذعنوا لتنفيذ مشاريعها التآمرية. وفي مثل هذا الحال نتساءل:

-هل تمثل هذه الحكومة إلاَّ المثل الشائع: (من يأكل خبز السلطان يضرب بسيفه)؟

-وهل تناسوا أن كل طلب يصدر عن حكومة غير شرعية نصَّبها الاحتلال هو طلب غير شرعي؟

-وهل طلب المساعدة الذي قدمته الحكومة العراقية للنظام الإيراني أكثر من إذعان لأوامر السيد الإيراني؟

-وهل النظام الإيراني لا يمارس الإرهاب عندما يعيث بالشعب العراقي قتلاً وذبحاً وتهجيراً؟

-وهل النظام الإيراني ليس تكفيرياً عندما يعمل من أجل بناء دولة مذهبية؟

وهنا نعيد تذكير هؤلاء، وأولئك، بأن الحركة العربية الثورية تصدت لأميركا لأنها اخترقت أمن الوطن العربي القومي، وسوف تتصدى لإيران لأنها تخترق هذا الأمن أيضاً. وكما فتحت المقاومة الوطنية العراقية أبواب جهنم أمام الاحتلال الأميركي ودفعته لإعلان الهزيمة، فستفتحها أيضاً في وجه الاحتلال الإيراني حتى يعلن هزيمته ويلوذ بسلامته كما فعل حليفه الأميركي.

لن يرهب أولئك الدعاة، بالدفاع عن النظام الإيراني، المقاومة العراقية بتحديد من هو صديقها، ومن هو عدوها، لأن تلك المقاومة تعتبر أن العدو هو كل من يخترق أمن الأمة العربية القومي، والصديق هو من يساعدها على استعادة أمنها المسروق، والحرص لاحقاً على حماية هذا الأمن.

فالمقاومة العراقية تدرك منذ بداية انطلاقتها في العراق في مواجهة الاحتلال الأميركي أن الأمن القومي العربي خط أحمر قان، ولن يكون غير ذلك من الألوان. ومن هو حريص على صداقة إيران ننصحه بأن ينصحها باحترام حق الشعب العراقي بتقرير المصير وكذلك بحق الشعب العربي أيضاً بتقرير مصيره. فالمجتمع العربي وحده في كل أقطاره حر في أن يختار نظامه السياسي، ولا يحق لأحد من الخارج أن يُعلِّمه عيوب الديكتاتورية، ولا أن يقدم له وصفات جاهزة بمحاسن الديموقراطية. وهو ليس بحاجة لمن يعرِّف له الإرهاب لأن تعريف الإرهاب عند الشعب العربي هو كل من يخترق الأمن القومي العربي.

Dr. Amal Bousada

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *