(يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) (البقرة:219)

فالخمر إثم وقد امرنا الله بالابتعاد عن الإثم ما ظهر منه وما بطن ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه )
وقال تعالى { إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق } فنص تعالى على تحريم الإثم ما ظهر منها وما بطن
فصح أن الإثم حرام وأن في الخمر إثما وأن مواقعها مواقع إثم ، فهو مواقع المحرم نصا
كقول الشاعر : شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم يذهب بالعقول سمي الخمر إثما لكونها مسببا لها .
وإذا اجتمعت مصالح ومفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالا لأمر الله تعالى فيهما لقوله سبحانه وتعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } ، وإن تعذر الدرء والتحصيل فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (90) (المائدة)

اقتضت هذه الآية تحريم الخمر لقوله تعالى : “رجس” لأن الرجس اسم فى الشرع لما يلزم اجتنابه .. ويقع اسم الرجس على الشيء المستقذر النجس .. وهذا أيضا يلزم اجتنابه فأوجب وصفه إياها بأنها رجس لزوم اجتنابها .. وايضاً قوله تعالى : “فاجتنبوه” وذلك أمر والأمر يقتضى الإيجاب .. فانتظمت الآية تحريم الخمر من هذين الوجهين .
وبين الله تعالى أن كل ذلك رجس .. والرجس ما هو محرم العين وإنه من عمل الشيطان يعني أن من لا ينتهى عنه متابع للشيطان مجانب لما فيه رضا الرحمن .. فأمر تعالى باجتناب الرجس جملة وأخبر تعالى أن الخمر من الرجس ففرض اجتنابها .. لأن أوامر الله تعالى على الفرض حتى يأتي نص آخر يبين أنه ليس فرضا .

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (91) (المائدة)

فإنما يريد به ما يدعو الشيطان إليه ويزينه من شرب الخمر حتى يسكر منها شاربها فيقدم على القبائح ويعربد على جلسائه فيؤدي ذلك إلى العداوة والبغضاء .
(فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فهاهنا أمر .. ويحذرنا الله من مخالفة أوامره ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ) وهذا تأكيد للتحريم ، وتشديد في الوعيد .. وفي قوله عز ، وجل “فاجتنبوه” أمر بالاجتناب منه .. وهو نص في التحريم ثم بين المعنى فيه بقوله عز وجل “إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة” .. وكان هذا إشارة إلى الإثم الذي بينه الله تعالى في الآية الأولى بقوله عز وجل : “وإثمهما أكبر من نفعهما” ، وفي قوله : “فهل أنتم منتهون” أبلغ ما يكون من الأمر بالاجتناب عنه .. وقال تعالى : “قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم” .. والإثم من أسماء الخمر .. قال القائل : شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم يذهب بالعقول ، وقيل : هذا إشارة إلى قوله : “وإثمهما أكبر من نفعهما”

وانظر أيضاً إلى التدرج فى التحريم وسأضرب لك مثلاً للتوضيح
فلو انك شخص رياضى تريد أن ترفع وزن 40 كجم فلن تقوم بها مرة واحدة وإلا حدث مالا يحمد عقباه
فتبدأ فى رفع 10 كجم ثم بعد فترة 20 ثم 30 إلى أن تصل إلى غايتك وهى 40 كجم .
ولله المثل الأعلى
فأول الآيات هى (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) (البقرة:219)
والثانية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ…) (النساء:43) وانظر هنا إلى ثانى تدرج فى التحريم فقد بدأ الناس على ترك الخمر خمسة مرات فى اليوم وهى أوقات الصلاة ، ولو لاحظت فروق التوقيت بين كل صلاة والثانية لوجدت أن اغلب الناس لم يقربوا الخمر إلا بعد صلاة العشاء ذلك لان تأثير الخمر أطول من الفترة بين كل صلاة والأخرى .
والثالثة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (90) (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (91) (المائدة) وهذه الآية هى التحريم النهائى لكن بعد أن كان الناس عندهم القدرة على استقبال هذا الحكم وأيضا الإيمان الكافى للامتناع. وهذا من حكمة الله

ودليلا على التحريم أيضاً هذه الآية (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) فكيف يحل لنا ما ذُكر عنه انه رجس وأثم كما تقول ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *